بســم الله الرحمن الرحـيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على
محمد وآله اجمعين
******************
دعـــــوة للبكــــــآء
******************
رب أشرح لي صدري وأحلل عقدة من لساني يفقه ُ قولي
وأجعل لي من لدنك سلطانا ً نصيرا ً
ألأنــســــــــان
-----------------
هو بديع خلق الله تعالى وهو نموذج معجون فيه كل عوالم ألإمكان
نماذج بل يوجد فيه تأثر من كل الصفات وألأسمآء ألألهيـــــــــــــة
جل جلاله كتاب (( أحســن الخالقين ))
كتبه ُ بيده وهو مختصر من اللوح المحفوظ وهو أكبر حجة لله
سبحانه وتعالى وهو حامل الأمانة التي عجزت عن حملهـــــــا
السماوات والأرض
وألى هذا المعنى قال مولانا المقدس أمير المؤمنين عليه السلام
دواؤك فــــــــــيك وماتشـــــعر ُ
وداؤك َ منــــــــِك َ وما تـُبـصـِر ُ
وتـَحسـَب ُ إنك َ جـُرم ٌ صـــَغير
وفــيك َ أنطوى العالـَم ُ الأكبــَر
هذا ألانسان وضع في عوالم ثلاث
عالـــم المحسوسات
و
عالــــم المثـــــــــال
و
عالــــــم المعقــــول
فإذا اتبع الأنسان عالمي الحـِس والمثال عـَقـلـَه ُ
-- يعني يكون توجهه ُ وهمته ُ بعالمه ذلك --
وينقله ُ من عالم القوة الى عالم الفعلية
حينئذ يوهـَب لــَه ُ السلطنة على العالمين
عالـــم الشهادة والمثال
وَإذا اتبع عقله ُ عالم الحس والشهادة
( عالم الطبيعة ) و ( عالم سجين )
وينغمز في عالم الطبيعة ويخلد الى الأرض
فإن الله تعالى هو العالم أيّ أبتلآء سوف
يصيبه ُ من بعد مفارقة روحه ُ هذا البدن !
وأي شقاوة وأي ظلمة واي شدة لاسيما في القيامة الكبرى
( يوم تبلى السرآئر )
وبالجملة عندما يكون هذا الانسان مراقبا ً لحركاته ُ وسكناته
وطابقت اعماله ُ وحركاته ُ ميزان الشرع والعقل
لأن الشرع والعقل متطابقان في هذا
وتكون حركاته وسكناته سببا ً للترقي غلى عوالم العليين
ومقام الروحانيين الأعلى
وعندما يحصـّل هذا الانسان المعرفة بالله تعالى وملآئكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر بالمعرفة الوجدانية فحينها
يصير موجودا ً بما هو أنسان لا بما هو حيوان
أخوتي وأخواتي
هذه المنزلة وهذا المقام كما عرفنا لايتأتى من التلبس
بأعمال الجفآء مع الله سبحانه وتعالى ولا بأعمال
المعصية والعياذ بالله أو المكروهات
بل تتأتى بالأعمال التي أرتضاها الله سبحانه وتعالى
لأنبيآئه ورسله وعباده الصالحين وأمرهم بها ليتقربوا
اليه سبحانه وتعالى
لم نجد حسب معرفتنا المتواضعة جدا ًشيء أشد ُ قربا ً
لله سبحانه وتعالى من البكآء
---------------------------
والبكآء يقع على عدة أشكال
بـُــكآء من خشية الله سبحانه وتعالى
وهذا مقام العالمين بالله تعالى
( إنما يخشى الله من عباده العلمآء )
وذلك بعدما عرفوا شأنه وقدرته وجبروته سبحانه وتعالى
و
بـًـــكآء شوقا ً الى لقــآء الله تعــــالى
وهذا مقام المحبين الذّين قال فيهم سبحانه وتعالى
( والذين يرجون لقآء الله فليعملوا عملا ً صالحا ً... )
فهؤلآء ألأقوام أفنوا اعمارهم في محبة الله سبحانه وتعالى
للوصول الى هذا اللقآء
وبـُـــكآء خوفـا ً من الله سبحانه وتعالى
وهذه عبادة العبيد كما قال مولانا أمير المؤمنين
ومنهم من يعبد الله سبحانه وتعالى خوفا ً من ناره
في كل هذه الأحوال والمقامات يبقى البكآء من الاعمال
العبادية التي لايضاهيها أي عمل آخر الا مافرضه الله تعالى
على عباده من فرآئض
ومن أجل ان نرتقي بأنفسنا الى تلك المقامات العالية التي
ارادنا الله تعالى أن نكون في كل احوالنا متلبسين بها كما سنرى
في بعض الاحاديث التي يحث فيها سبحانه وتعالى أنبيآئه أن يتقربوا
اليه تبارك أسمه الشريف بالبكآء
البكآء هذا لايتأتى إلا بالمعرفة والعلم
فعندما يتوفر هذان العاملان يكون هذا ألأنسان قد توصل الى سر الاله
المعبود وتتجلى له ُ تلك العظمة الالهية الملكوتية القدسية
هنا سوف وبعد ان يصل الأنسان الى هذا المقام وبطبيعة الحال
يكون مقرونا ً بأشد حالة من الطاعة والتلبس بكل العبادات المفروضة
والمستحبة قدر الأمكان هناك ..
سوف يجد نفسه ُ هذا الانسان من حيث شآء أو لم يشأ وقد تسربلت
تلك القطرات المتناثرة من تلك العيون والجفون التي أسبلت هذه
القطرات بحرقة معجونة بحرقة الشوق الى هذا المعبود العظيم
بعد ‘رّفها من نفسه ِ وأراها من قدرته وكشـَف لها من سبحات
وجهه الكريم حتى كأن هذه الأرواح تتصارع مع تلك السجون
التي سجنت فيها لتتحرر وتطير الى بارئها كلمح بالبصر شوقا ً
للحبيب
أخواني وأخواتي
إن للبكآء طعما ً خاصا ً مع الحبيب في تلك الخلوات التي يخلوا
فيها العبد مع ربه العظيم أنها لحظات من عمر الزمن لن تنسى
أبدا ً
أنها لحظات شوق ومحبة تضعك بين يدي ملك الملوك وبين يدي
الرحم الراحمين واسمع السامعين وأبصر الناظرين
تناجيه سبحانه وتعالى وكانك تسمع الجواب يرن في أذنيك
لبيك عبدي وسعديك وحنانيك
ربي أبعيد ُ انت سيدي فأناديك
أم قريب ٌ أنت مولاي فأناجيك ؟
عبدي
لم تسعني ارضي وسمآئي ووسعني عبدي المؤمن
فكن منهم ُ حتى أ ُسكن حبي في قلبك فلايغادره ُ أبدا ً
عبدي
إني جليس من ذكرني , أ َدم ذكري سرا ً وعلانية ً
أكن معك أينما تكون
عبدي
أطعني , تـَكـُن مــَثلي تـَقـُل للشيء كـُن فـَيـَكون
أخوتي واخواتي
لقد ورد من الأحاديث في أمر البكآء الشيء العجيب
من حيث الآثار المترتبة على البكآء وكذلك من حيث
ألأجر الذي وعد به البكآءون
وعلى اية حال سنسرد عليكم بعضا ً من هذه ألأحاديث
لنرى عظمة ما أولانا مالك يوم الدين من نعمه الظاهرة
والباطنة فله الحمد وله الشكر على ما أولانا
1
-----
عن النبي الأعظم محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين
مامن مؤمن يخرج من عينيه مثل ريش الذباب من الدموع
فيصيب وجهه إلا حرَ مـَ÷ ُ الله تعالى على النار
2
------
مامن قطرة أحب الى الله تعالى من قطرة دمع خرجت من خشية الله تعالى
ومن قطرة دم سفكت في سبيل الله تعالى
وما من عبد بكى من خشية الله إلا سقاه ُ الله من رحيق رحمته ُ
وأبدله ُ الله ُ ضحكا ً وسرورا ً في الجنة
ورحم الله تعالى من حوله ُ ولو كانوا عشرين ألفا ً
!!
وما أغرورقت عين في خشية الله تعالى إلا حرم الله تعالى جسـَد َه ُ
على النار , وإن أصاب وجهه لم يرهقه ُ قتر ٌ ولا ذِلة
ولو بكى عـَبـد ٌ في أمـة لنجّى الله ُ تلك ألأمة ببكآئه
3
-----
من بكى من ذنب غفر له , ومن بكى من خوف النار أعاذه الله منها
ومن بكى شوقا ً الى الجنة أسكنه الله فيها وكتب له ُ أمانا ً من الفزع
ألأكبر ومن بكى من خشية الله تعالى حشره الله مع النبيين والصديقين
والشهدآء والصالحين وحـَسـُن َ ألئك َ رفيقا ً .
4
-----
البكآء من خشية الله تعالى مفتاح الرحمة , وعلامة القبول وباب الاجابة
(( هنا أخواني ألأعزآء لابد من وقفة عند هذا الحديث ألشريف
هذا الحديث يدلل على وجود فيوضات ألهية على العبد في الحياة
الدنيا ناهيك عما سينعم عليه في آخرته وهنا نجد ان البكآء آثاره ُ
في الدنيا حسب منطوق الحديث الشريف هو
مفتاح لرحمة الله سبحانه وتعالى
أي بمعنى أنك ان كنت تريد أن تتعرض للرحمة الألهية والعطف
ألرباني فهذا معناه أن الطريق الى ذلك من هذا الباب
وهو
(( البكــآء ))
ومصداق هذا ماجآء بالدعآء المبارك دعآء كميل بن زياد عليه الرحمة
كما علمه أياه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
يامن اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غنى
أرحم من رأس ماله
الرجآء وسلاحه البكآء
إذا ً أخواني إن التعرض للرحمة ألألهية وأستعطاف المعبود
وترجي الأجابة منه ُ سبحانه ُ وتعالى وقبول الدعآء كلهُ
مفتاحه ُ البكآء
فلآن ماعذرك يابن آدم إن تنالك رحمة الله سبحانه وتعالى
ولم يقبل دعآئك ولم يجبك السميع القريب المجيب ؟؟
أبحث ألآن عما اجرمته ُ بحق مولاك وعد الكرة
بدعآء احرص فيه ان تري مولاك دموعك وحرقة قلبك
وندمك على ماأسلفت من ايام عمرك هناك ستسمع الجواب
لبيك عبدي انا القريب المجيب
انا الذي احب التوابين وأحب ألمتطهرين
عبدي
تقرب مني شبرا ً اتقرب منك ذراع
عبدي إن تقربت مني ذراع تقربت أليك باع
والكـُرة ُفي ملعبك أيها الأنسان !
5
------
إذا بكى العبد من خشية الله تعالى تتحات عنه ُ الذنوب كما يتحات الورق
فيبقى كيوم ولدته ُ أمه
وهنا اخوتي نرى بصريح العبارة ان كثرة ألادعية وطلب الغفران والعفو
من الله سبحانه وتعالى ربما لاثمر بنتيجة إذا كان القلب لازال متعلقُ
به أدران محبة الدنيا وقد اطبقت ظلمات الذنوب على ذلك القلب فألبسته
جلباب السواد ؟!
مانفع هذا إن لم يكن الدعآء صادرا ً من قلب نقي نادم احرقته نار الندم
فأشرق القلب بنور الهداية وصار يناجي ربه ُ بخشوع وتضرع وبكآء
ومن قبل كان يدعوه بماذا ؟
فـَصـِرت ُ أدعوك َآمنا ً وأسأَلـُك َمـُسـتأنـِساً لا خآئـِفـا ً ولا وَجـِلا ً
؟؟!!
عجبا ً لنا مما نواجه به خالقنا وعظيمنا لا خآئفين ولا وجلين ؟؟!!
بل ألأدهى وألأمر فيما نفعل
مـُدِلا ً عليك فيما قصدت ُفيه ِ أليك فـَإ ِن أبطأ َ عني
عـَتـَبتُ بجهلي عليك
؟؟ !!
عجبا ً وكل العجب فيما نفعله ُ!!
6
-----
إذا أقشعر جلدك , ودمعت عيناك , ووجل قلبك .. فدونك دونك
فقد قصـُدَ قـَصـدُك
( أي أنها لحظة من لحظات الفيض الربانية
التي يفيض بها بكرمه عليك اكراما ً لبكآئك فأطلب ماشئت)
7
-----
إذا أحب َ الله ُ عـَبدا ً نـَصب َفي قلبه ِنائحة من الحزن فإن الله تعالى
يحب ُ كل َ قلب ٍ حزين
8
-----
لا يدخل النارمن بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن الى الضرع
9
-----
ياعيسى هـَب لي من عينيك الدموع , ومن قلبك َ الخشية , وقم على قبور
الأموات فنادِهم بالصوت الرفيع . فلعلك تأخذ موعظتك منهم ,فقل :
إني لاحق في اللاحقين
10
-----
ياعيسى صـُب َ لي من عينيك الدموع فأخشع لي قلبك
ياعيسى أستغث بي في حالات الشدة أ ُغيث المكروبين
وأجيب المضطرين وانا ارحم الراحمين
11
-----
وعن الرسول ألاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال
إن ربي خـَبرني فقال :
وعزتي وجلالي ماأدرك العابدون درَكَ البكآءَ عـِندي شيئا ً
وإني لأبني لهم في الرفيق ألاعلى قصرا ً لايشارك فيهم غيرهم
طوبى لكم وحسن مآب .. فنعم الرب الكريم ما أعطاكم
12
----
ياموسى
أبك على نفسك مادمت في الدنيا , وتخوف العطب , وألمهالك
ولاتغرنك النيا وزهرتها
هذه وصيته ُ سبحانه ُ وتعالى لكليمه موسى بن عمران ( ع )
فما أقبح مانقوم به نحن المخطئون المذنبون وما أحرانا بالبكآء
ليل نهار على قبيح اعمالنا وشدة تمسكنا بهذه الدنيا الدنية
13
----
ياعيسى ابن البكر البتول
إبك على نفسك بكآء من قد ودّعَ الأهل َ وقلى الدنيا ةتركها لأهلها
وصارت رغبته ُ فيما عند إلهه ُ
14
------
كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين
عين غضت عن محارم الله تعالى
وعين سهرت في طاعة الله تعالى
وعين بكت في جوف الليل من خشية الله تعالى
15
----
عندما كلم موسى ( ع ) الرب العظيم قال له ك
إلهي ماجزآء من دمعت عيناه ُ من خشيتك ؟
قال عزوجل :
ياموسى أقي وجهه ُ من النار وآمنه ُ يوم الفزع الأكبر
16
-----
ما من شيء إلا وله ُ كيل ٌ أو وزن , إلا الدموع فإن القطرة
منها تـُطفيء بـِحارا ً من النار , فإذا أغرورقت العين بمآئها
لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة , وإذا أفاضت حرّمه ُ الله ُ على النار
ولو أن َّ باكيا ً بكى في أمة لـَر ُحـِموا
17
------
كثرة البكآء من خشية الله تعالى يبني لك بكل دمعة بيت في الجنة
18
----
وَمـَن ذرفت عيناه من خشية الله تعالى كان َ له ُ بكل قطرة من دموعه ِ
مثل جبل أ ُحد يكون في ميزان حسناته من الأجر , وكان له ُ بكل قطرة
عين في الجنة على حافتيها من المدآئن والقصور
مالاعــــــــــــين رأت
ولا أذن سمعـــــــــــت
ولاخطر على قلب بشر
أخوتي وأخواتي
تـُرى من الذي أقسى قلوبنا حتى
هـــــجرتنا دموعنا
تـُرى من الذي أقسى قلوبنا حتى هجرنا خشـــــــوعنا
تـُرى من الذي ألهانا عن ذكر ربنا حتى أسودت قلوبنا
تـُرى من الذي جعل أعدآء الله تعالى يصبحوا أحبابنـــا
تـُرى من الذي جعل أوليآء الله تعالى يصيروا ألّدُ أعدآئنا
نعم .. نعم
.
.
إنها
نار الذنوب
.
.
ولكن لازال العلاج موجودا ً
.
.
فأطفؤها
بدموع الندم
.
.
.
تحياااتي للجميع
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته